اصنعوا قاماتكم… قبل أن تصنعكم الشاشات، للمفكر العربي أ.د. هيثم زينهم

اصنعوا قاماتكم… قبل أن تصنعكم الشاشات

المفكر العربي أ.د. هيثم زينهم

يا شباب الغد… ويا من في أيديكم مفاتيحُ المستقبل…
لقد صار البريقُ الزائف في عصرنا أسرعَ وصولًا من النور الحقيقي، وصارت الصيحاتُ العابرة تتقدّم على القيم الراسخة، وأصبحَت مقاييس الشهرة تُقاس بعدد المتابعين لا بوزن الإنجاز، وبعدد الإعجابات لا بعمق الأثر.
كم من وجهٍ تراه الشاشاتُ كل يوم، يملأ الفضاءَ صخبًا وضجيجًا، بينما رصيدُه من الفكر والمعرفة خواء، وإن تحدّث فلا حديث إلا عن جسدٍ يُعرَض، أو لحظةِ هزلٍ تُعاد، أو مشهدٍ ساقطٍ يُسوَّق، حتى ظنّ بعضُ الشباب أن هذا هو طريق المجد، وأن هذه هي بطاقة الدخول إلى الحياة.
لكن… قفوا قليلًا وفكّروا:
من الذي بنى الحضارات؟
من الذي أضاء طرق العلم والاكتشاف؟
من الذي داوى المرضى، وعلّم الجاهلين، وحرس القيم حين كان الزمن يميل إلى الانحدار؟
إنهم العلماء الذين أفنَوا أعمارهم في المختبرات والمكتبات، والأطباء الذين يقضون لياليهم على أسِرّة المرضى، والمعلّمون الذين يزرعون بذور الوعي في عقول الأجيال، والمخترعون والمبدعون الذين يسابقون الزمن من أجل ابتكارٍ ينفع الناس. هؤلاء هم الذين يستحقون أن نرفع صورهم، وأن نتابع أخبارهم، وأن نصنع منهم قدواتٍ لأبنائنا.
فلْتكن مشاركاتكم على مواقع التواصل الاجتماعي سلاحًا في يد الخير، سلاحًا ينشر النور لا الظلام، يرفع القامات لا السقوط، ويُعلي من شأن القدوات الحقيقية لا من شأن المتسلقين على حبال الشهرة الرخيصة.
توقّفوا عن ضخّ الضوء في وجوه الهزل، والإسفاف، والعري، والتشرد الفكري، فإنّ من تضعه في الصدارة اليوم، سيتحوّل غدًا إلى “معيار” يقيس به الصغار أحلامهم وطموحاتهم، وحينها نكون قد أسلمنا المستقبلَ إلى أيدٍ لا تصلح إلا للهدم.
تذكّروا… أنتم مَن تصنعون رموز الغد، ومَن تمنحون القوة لهذا أو ذاك. وإذا كان الباطل يملك أدواته، فأنتم تملكون القرار: أن تمنحوا الضوء لمن يستحق، وأن تحجبوه عمّن لا يستحق.
فليكن ميزانكم واضحًا: أثرٌ نافعٌ يبقى بعد الرحيل، أو شهرةٌ تموت بانطفاء الضوء.
واختاروا أن تسيروا خلف الأثر… لا خلف الضجيج.
تذكير أخير:
إمّا أن تصنعوا قدواتكم… أو ستصنع الشاشات قدواتكم عنكم.
والفرق… هو الفرق بين أمة تُبنى، وأمة تُباع.
د. هيثم زينهم

Related posts

Elementor #11761

الإعلامي السعودي سلمان عسكر

من الإعلام إلى السياحة.. محمد العسكري يكتب فصلاً جديدًا من النجاح