مشاهير

قراءة في كتاب نصوص وجسور للدكتور هيثم زينهم، بقلم البروفسيور /خوسيه ميغل بوتيرا

قراءة في كتاب نصوص وجسور؛ اللعة ومقارنة الأديان للدكتور هيثم زينهم

بقلم البروفسيور /خوسيه ميغل بوتيرا

إنَّ الدراسات البينيَّة في عصر الثورة الرقمية لا تقلُ أهميةً عن الدراسات المتخصصة، بل قد تزيد عليها في أهميتها المطلقة، ووجود دراسةٍ بينيَّةٍ، تعمل على بيانِ أهميةِ اللغة كجسرٍ قوي للوصول إلى أهداف غير مصرحٍ بها للمرسِل، تتعلق بالملة والعقيدة، فهذا دليلٌ على تمدد اللسان وقوته كيفًا وكمــًا.

إنَّ الديـنَ موجــودٌ بوجودِ الإنســـان، وحيٌّ بحياته، إنه جزءٌ أصيلٌ من مستويات فكره،  وتاريخ البشرية يثبتُ ذلك، ويقرُّ بعدم وجود قومٍ، عاشوا من غير أن يتدينوا بديـنٍ، أو يؤمنوا بطقوس، فالتحسسُ الديني خصلةٌ من عدة خصالٍ ملازمـةٍ للطبائع الإنسانية الراسخــة، فمن المستحيل أنْ يُتصورَ إنسانٌ من دون أنْ يتبادرَ إلى الذهـن فكرةُ الدين، بل من العسير وجود مجتمعٍ غابرٍ خالٍ من التدين إلا كـان متسماً هو وأعضاؤه بالبلاهـة والعجر؛ ومن ثَمَّ فالكتابة في أمرِ الديــــنِ أمرٌ حساسٌ، لا يقربه إلا فارسٌ شجـــاعٌ قادرٌ على الجمع بين اللغة والــدين، فتحليل بداية خلق الإنسان -كما جاء في القرآن الكريم والكتاب المقدس-  يوضح تأكيد الكتب السماوية بلا استثناء أهميةَ اللسان في تأسيس الدين والمجتمعات الإنسانية.

لقد قسَّمَ المؤلِّفُ البروفيسور / هيثم زينهم بذكاءٍ كبيرٍ كتابَه قسمين كبيريــن، جعل أولهما لرصد التراث العربي فيما يتعلق بمقارنة الأديان كتطبيقٍ فيلولوجي ضروري في بداية الدراسات البينية، وآخرهما لإسهام اللغــة من حيث المعجم والبنية والتركيب في توجيه الدلالـــة سواء على صعيد الفرقة الواحدة، أو كاستثمار للرد على فرقةٍ مناظرةٍ.

إنَّه مســارٌ صعبٌ مجهدٌ في الحقيقة، لكن المعالجة كشفت عن فارسٍ، له أدواتٌ علميةٌ جيدة، وتكوينٌ معرفي صحيح، امتلك ما مكَّنَه بحقٍ من سبر أغوار العِلْمَين، غير مثقلٍ بالحدود الفاصلة بينهما؛ فكشف بكفاءةٍ عاليةٍ عن أمرين، أولهما: أسس البناء العلمي لمقارنة الأديـــان، ودور الأدوات اللغوية – إذا امتلكت بشكل صحيح- في جعل النص جســـرًا بين المرِسِل والمتلقي للوصول إلى هدفٍ قد يكون معلنًا أو خفيًّا، وآخرهما: أهمية العلوم البينية كأساسٍ صحيحٍ في دعم النهوض بالمنجزات العربية قديمــًا.

إنَّ جــودةَ الأعمالِ التي يقـدمها دائما الأستاذ الدكتور/ هيثم زينهم في الدراسات البينية ليست بغريبة عليه، فهو بحقٍ فارس الميدان، مهــَّدَ مســارًا صعــبًا مليئًا بالعثرات والكبوات أمام الدراسات الحديثة التي يجب أن تحلل ما يجول بخــواطر الشباب  من أفكــارٍ، قد تبدو جادةً للوهلة الأولى إلا إنها في عمقها تؤدي للتطرف والإرهاب والتشدد، وذلك نتيجــة تحريف المعنى الحقيقي للنص بتحريف لغته، والقصور في فهم أدواته.

إنَّ الهربَ من المناقشات الجادة وتركها أو تسويفها يؤدي إلى نتائجَ سلبيةٍ، تضر الإنسانيةَ على المدى القريب، وتدمر المجتمعات على المدى البعيد، فاللغةُ لا تقلُّ أهميةً عن الأسلحة الفتاكة، إذا استخدمت بحرفية استخدامًا ليس نبيلا، وهو ما أشار إليه الكاتبُ من ضرورةِ اعتماد منهجية مصنَّفات مقارنة الأديان في التفنيد والرد باللين على الأفكار المعاصرة المتعلقة بالدين، التي تشغل جزءًا كبيرًا من فكر الشباب- إن لم يكن كله- فمن القوة الناعمة مناقشتهم فيما يقلقهم بما يقنعهم متى طلبوا الفهم، وخصــوصًا مع كــسر الحواجز المكانية والزمانية والمجتمعية رقمــيًا، فهل مِنْ مستجيبٍ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *