في زمن كثرت فيه الصعوبات، وفي عالم يتطلب مجهودًا استثنائيًا لتترك فيه بصمة، ظهرت فتاة مصرية من قلب قرية بسيطة بمحافظة الشرقية، لترسم طريقًا لم يسبقها إليه أحد من جيلها. إنها *روان ياسين*، سيدة الأعمال الشابة، المؤسسة والمالكة لشركة RAYMEDAI، والرائدة الأولى في إفريقيا في مجال الحلول الطبية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
روان لم تولد وفي فمها ملعقة من ذهب، بل كانت حياتها مليئة بالعقبات منذ بدايتها. تربّت وسط أسرة بسيطة، ودرست في مدرسة “كشيك” الإعدادية، في وقت كانت فيه الأحلام الكبيرة تُقابل بالسخرية، خاصة حين تخرج من فتاة شغوفة بالعلم والاختلاف.
**الاختلاف… أول أبواب الألم**
منذ صغرها، كانت روان مختلفة. لم تكن طفلة تقليدية؛ كانت تحب العلم، تطرح الأسئلة، تتأمل في الظواهر، وتصمم نماذج صغيرة لمحاكاة أفكار علمية. ذلك جعلها عرضة للتنمر من زملائها في المدرسة، حيث لم يتقبل الكثير منهم شغفها المختلف. لكنها، وبالرغم من كل المعاناة النفسية التي تسبّب بها هذا التنمر، تمسّكت بحلمها. كانت تقول دائمًا: *”أنا مش هكون نسخة من حد، أنا هكون النسخة اللي محدش قدر يتخيلها.”*
ورغم كل ذلك، لم تكن وحدها. مدرسوها في المدرسة، لاحظوا نبوغها المختلف، وكانوا دائمًا يرددون لها أنها ستصبح “شخصية عظيمة في يوم من الأيام”، كلمات حفرت في قلبها وأصبحت دافعًا لا ينطفئ.
**المرض الذي كاد يوقف كل شيء**
لكن التحدي الأكبر في حياة روان لم يكن فقط نظرات الناس ولا عبارات التنمر… بل كان المرض. خلال دراستها، أصيبت روان بمرض جسدي أثر على صحتها ونفسيتها، وكانت تمر بأيام طويلة من الألم، والضعف، والمعاناة التي لا تُحتمل. المرض لم يكن شيئًا عابرًا، بل كان عائقًا دائمًا، يلازمها في كل خطوة، ويجبرها أحيانًا على ترك الدراسة أو الانعزال عن العالم.
وفي أحد أصعب الفترات، أصيبت روان بالتهاب رئوي حاد، بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا. لم تجد مكانًا في المستشفى بسبب الزحام، ولم تستطع تلقي العلاج اللازم بسرعة. وقتها، شعرت روان بعجز كبير، ليس فقط تجاه نفسها، بل تجاه الملايين من المرضى الذين يواجهون نفس الأزمة: غياب التشخيص السريع، وعدم القدرة على الوصول للطبيب في الوقت المناسب.
**ومن الألم… وُلد الحلم**
في تلك اللحظة الصعبة، اتخذت روان قرارًا سيغير حياتها… وحياة الملايين. قررت أن تبتكر حلاً طبياً ذكيًا، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتشخيص الأمراض بسرعة فائقة وبدقة عالية، دون الحاجة لانتظار ساعات أو أيام، ودون تعقيدات الدخول للمستشفيات.
ومن هنا، وُلدت فكرة شركتها: **RAYMEDAI**.
**RAYMEDAI… ثورة في عالم الطب**
بدأت روان العمل على المشروع وهي في قمة معاناتها الجسدية. سهر، تعب، أبحاث لا تنتهي، دراسة مكثفة للذكاء الاصطناعي، تعلم برمجة وتحليل بيانات وأشعة، وتطوير خوارزميات متقدمة. وكل ذلك، في عمر صغير وبدون تمويل.
لكن النتيجة كانت مذهلة: منصة طبية ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتشخيص الأمراض مثل الزهايمر، السرطان، السل، الالتهاب الرئوي، أمراض القلب والصدر، خلال **3 ثوان فقط**، وبدقة تصل إلى **98.9%**، مع تقديم دعم فوري للأطباء وتحليل الأشعة في الوقت الحقيقي.
الشركة أصبحت تقدم حلولًا عديدة منها:
– تشخيص سريع ودقيق.
– دعم قرارات الأطباء.
– تقليل الضغط على المستشفيات.
– تحليل الأشعة الرقمية.
– تجارة إلكترونية للمستلزمات الطبية.
– دعم الرعاية عن بُعد.
– أرشفة ذكية لسجلات المرضى.
**جوائز وتكريمات… نجاحات أكبر من العمر**
رغم صغر سنها، حصدت روان العديد من الجوائز العالمية:
– المركز الأول في مسابقة ISEF العالمية.
– المركز الأول في NASA Space Challenge.
– المركز الأول في مسابقة فني مبتكر.
– تكريم من وزارة الشباب والرياضة.
– تكريم من المركز الاستكشافي للعلوم.
– شهادة تفوق من STS Space Technology.
– منحة دراسية من MIT.
– دكتوراه فخرية في مجال الذكاء الاصطناعي.
– براءة اختراع وملكية فكرية لفكرة مشروعها.
– أكثر من 28 شهادة دولية من Harvard، Google، Cisco، وغيرها.
**الدعم الذي أعادها للحياة**
رغم أنها سارت رحلة طويلة بشجاعة، لم تكن روان وحدها في هذه المعركة. كانت هناك عائلة آمنت بها من القلب:
– **والدتها**: كانت الحضن الذي يحتضنها وقت البكاء، والكلمة التي تشجعها في كل لحظة.
– **والدها**: دعمها بكل قوته، وكان يقول لها دائمًا: “إنتي قادرة تعملي اللي محدش عمله”.
– **أختها ريهام**: لم تكن مجرد أخت، بل كانت صديقتها وشريكتها الروحية، التي ساندتها في كل قرار وكانت تذكرة الأمل في أصعب اللحظات.
– **السعيدي**: كان شريكًها في الدعم النفسي، وقف بجانبها، شجعها وقت الضعف، وذكّرها بقيمتها في عز انكسارها.
**رسالتها للعالم**
اليوم، تقف روان على منصة النجاح، ليس فقط كمخترعة أو سيدة أعمال، بل كرمز للأمل، للعلم، وللإيمان بالنفس رغم كل شيء.
تقول روان:
*”أنا بدأت من بيت بسيط، وسط تعب ومرض وتنمر، لكني كنت دايمًا شايفة حلمي… وإنت كمان تقدر توصل، لو آمنت بنفسك ومشيت ورا حلمك.”*
روان ليست فقط شابة مصرية ناجحة… بل هي تجسيد حي لقوة الإرادة، وحكاية من نور في زمن يحتاج إلى الإلهام.
—.